لطالما كانت الكتابة متنفسّاً لي، طريقة فعّالة ومثالية للتعبير حين تخونني الكلمات. كانت مؤنساً وصديقاً حين كانت طفولتي تفتقر إلى هؤلاء.
مرت السنين وتغيرت الأحوال، وبقيّت الكتابة، لكن مع قٌرب انتهاء أيام الثانوية بدأت شمس الخيال والإبداع بالمغيب، وبزغ فجر الواقع.
بتُ أرى الجميع حولي يتسابقون نحو "مستقبلٍ مٌبهر" كان يحمل مفهوماً ضيقاً آنذاك، متمثلاً في مجالات جامعية محدودة، وتماماً مثل كبشٍ ضائع في مؤخرة القطيع انتهى بي المطاف في أحد هذه المجالات. الهندسة.
سأتوقف قليلاً عن السرد كي أوضح أنني لا أكره الهندسة، ولا أدّعي بأن المجالات العلمية ليست في الصدارة خاصةً في عصر التكنولوجيا الحالي. لكنني وبكل بساطة لم أجد فيها ذاتي، حتى بعد أن قضيت سنيني الجامعية في معركة "غسيل مخ" يائسة مع عقلي الباطن خرجت منها خاسرة.
بعد عامٍ من تخرجي، وبعدٍ عدد لا نهائي من المحاولات للحصول على وظيفة تعطي شهادتي القيمة التي تستحقها. مرَّ علي عرض وظيفي تحت عنوان "كاتبة محتوى" لشركة ناشئة مُحمّلة بكمٍ مبهر من الإبداع والطموح.
ومثل شمسٍ تبزع من وسط الضباب، استيقظ سؤال هُمّش في إحدى زوايا عقلي منذ زمن بعيد ..
استدعيت بعضاً من مهاراتي الكتابية واستعنت بها لحياكة إيميل مٌقنع، ليس فقط كي أٌقنع الجهة الموظِفة بل كي أُقنع الطفلة إيمان بأن شغف الكتابة له "مستقبل مُبهر".
مرّ الآن عامان وأنا أعمل في شركة معاً للإنتاج الفني، وأستطيع القول بكل ثقة أن سوق العمل الحالي يتسع لمُختلف المواهب والمهارات. فقط على الشخص أن يبحث عن بيئة مٌشجعة وطريقة فعّالة لتوظيفها، وأن يحتفظ بطموحه ورغباته فبدونها يفقد شعور البهجة الحقيقي المُرتبط بعمل شيء يحبه.